
يقع قصر أتاتورك في طرابزون، المعروف أيضًا باسم جناح أتاتورك (Atatürk Köşkü)، في حي سوغوكسو
(Soğuksu Mahallesi) الواقع وسط المدينة، ويُعد من أبرز المعالم التاريخية والسياحية في الشمال التركي. الوصول إلى القصر سهل للغاية نظرًا لقربه من مركز المدينة، حيث يمكن للزوار استخدام سياراتهم الخاصة أو ركوب الحافلات العامة أو سيارات الأجرة البلدية التي توفر خدمات منتظمة إلى موقع القصر.
يبعد القصر حوالي 11 كيلومترًا عن مطار طرابزون الدولي أي ما يقارب 20 دقيقة بالسيارة، بينما يبعد عن مطار ريزه - أرتفين حوالي 117 كيلومترًا وتستغرق الرحلة إليه نحو ساعة ونصف تقريبًا. هذه السهولة في الوصول تجعله وجهة مفضلة للسياح من مختلف الأعمار.

يفتح قصر أتاتورك في طرابزون أبوابه للزوار طوال أيام الأسبوع، إلا أن مواعيد الزيارة تختلف بين فصلي الصيف والشتاء لتتناسب مع الظروف الجوية وطبيعة الموسم السياحي.
من 15 أكتوبر حتى 15 أبريل يكون القصر مفتوحًا من الساعة الثامنة صباحًا حتى الخامسة مساءً، أما في الفترة بين 15 أبريل حتى 15 أكتوبر فتُمدد ساعات الزيارة حتى السابعة مساءً. ويُفضل زيارة القصر خلال فصلي الربيع والصيف للاستمتاع بأجواء الحدائق المحيطة وألوان الزهور المبهجة التي تملأ المكان بالحياة.

يُعد قصر أتاتورك طرابزون من أقدم القصور التاريخية في المنطقة، إذ يعود تاريخ بنائه إلى القرن التاسع عشر حين شيّده كونستانتين كبايانديس، وهو مصرفي يوناني عثماني ثري، ليكون منزلاً صيفيًا على قمم تلال سوغوكسو المطلة على المدينة والبحر الأسود. يتميز القصر بطراز معماري يجمع بين الفن الأوروبي الكلاسيكي وتأثيرات عصر النهضة الغربية، حيث تظهر الزخارف الدقيقة والأعمدة البيضاء والواجهات المزخرفة بأسلوب فخم يعكس ذوق الحقبة.
يتكون القصر من ثلاثة طوابق تحتوي على مجموعة من الغرف الفريدة مثل غرفة الطعام وغرفة الاستقبال وغرف المعيشة في الطابق الأرضي، أما الطابق الأول فيضم غرفة نوم وغرفة دراسة وقاعة اجتماعات، بينما يحتوي الطابق الثاني على غرفتين صغيرتين تطلان على الحديقة.
زار مصطفى كمال أتاتورك القصر لأول مرة في عام 1924 لكنه لم يُقم فيه. وعند زيارته الثانية عام 1930، أقام في القصر وأُعجب به كثيرًا، مما دفع وفد مدينة طرابزون إلى تقديم القصر له هدية رمزية تعبيرًا عن حبهم وامتنانهم. بعد ذلك، أعلن أتاتورك قراره الشهير بالتبرع بكل ممتلكاته للشعب التركي قائلاً :
“المال والممتلكات تُقيد الإنسان، أما العطاء للأمة فهو الحرية الحقيقية .”
ومنذ ذلك الوقت، أصبح القصر رمزًا وطنيًا يخلد قيم العطاء والتجديد في الجمهورية التركية، وتم تحويله إلى متحف عام 1943 ليُعرف رسميًا باسم جناح أتاتورك طرابزون.

يتميز القصر بمزيج مذهل من الطراز الأوروبي الكلاسيكي واللمسات المحلية التي تعكس روح البحر الأسود. الجدران العالية البيضاء، النوافذ الواسعة، والسلالم الخشبية المنحوتة بدقة تمنح الزائر شعورًا وكأنه يسافر عبر الزمن.
يضم القصر قطع أثاث أثرية أصلية تعود إلى بدايات القرن العشرين، مثل الكراسي الفرنسية المذهبة والطاولات الإيطالية المزخرفة والمصابيح الكريستالية الفاخرة. كما يحتوي على صور ووثائق أصلية لأتاتورك، وخرائط ووثائق تاريخية تُبرز مراحل بناء الجمهورية التركية.
أما الحدائق المحيطة بالقصر فهي من أجمل مناطق طرابزون، حيث تنتشر فيها الزهور الموسمية والأشجار الصنوبرية التي تملأ المكان بعطر الطبيعة. توفر الحديقة مسارات للمشي ومناطق استراحة ومقاهي صغيرة تسمح للزوار بالاستمتاع بجمال المكان وسط أجواء من الهدوء والسكينة.

زيارة قصر أتاتورك ليست مجرد جولة تاريخية، بل تجربة متكاملة تمزج بين الثقافة والطبيعة والفن. يمكن للزوار التجول بين غرف القصر ومشاهدة الأثاث واللوحات والتحف، ثم الخروج إلى الحديقة لاستنشاق الهواء النقي والتقاط صور بانورامية للمدينة والبحر الأسود.
كما يمكن حضور الجولات الإرشادية التي تنظمها إدارة المتحف للتعرف على حياة أتاتورك ومقتنياته الشخصية، إضافة إلى الفعاليات الثقافية والفنية التي تُقام في فترات معينة من العام.
تعد رسوم الدخول رمزية ومناسبة لجميع الفئات، حيث يُسمح للأطفال من 0 إلى 6 سنوات بالدخول مجانًا، بينما تبلغ الرسوم 4 ليرات تركية للطلاب و8 ليرات تركية للزوار البالغين (وفق تسعيرة عام 2019). وقد تشهد الأسعار تحديثات طفيفة بمرور الوقت، لذلك يُنصح بالتحقق من الموقع الرسمي قبل الزيارة .

موقع القصر المركزي يجعل منه نقطة انطلاق مثالية لاستكشاف معالم طرابزون الأخرى. يمكن للزائر بعد جولته التوجه إلى معبد سوميلا التاريخي الواقع في جبال ماكا المذهلة، أو زيارة منطقة أوزنجول الخضراء الشهيرة بطبيعتها الساحرة. كما يمكن استكشاف المدينة القديمة، وجسر بوزكورت التاريخي، أو تناول الطعام في المطاعم القريبة التي تقدم إطلالات بانورامية على البحر الأسود.
يقع قصر أتاتورك في ترمال التابعة لولاية يالوفا، وهو واحد من أهم القصور التي تعكس روح الحقبة الجمهورية المبكرة في تركيا. بُني القصر عام 1929 خلال 38 يومًا فقط على يد المعماري البروفسور سداد حقي إلدم، وهو مصنوع بالكامل من الخشب ويتكون من طابقين وثلاث قاعات استقبال وأحد عشر غرفة.
شهد هذا القصر اتخاذ عدد من القرارات التاريخية المهمة في تاريخ تركيا الحديثة، منها الانتقال إلى النظام الحزبي المتعدد، وبدء أسبوع السلع المحلية، وتأسيس مؤسستي التاريخ واللغة التركيتين، إضافة إلى مشروع ترجمة القرآن الكريم إلى التركية.

يضم القصر مجموعة مميزة من المقتنيات النادرة التي كانت تعود لأتاتورك، منها لوحات فنية للفنانين نور الدين نيازي وآيفازوفسكي، وسجاد إيراني وتركي فاخر، ومجموعة من الخزف والمزهريات التاريخية المصنوعة من النحاس وخشب الأبنوس، وبعضها مزخرف بكتابات هيروغليفية. كما يحتوي على غرفة نوم نحاسية، وراديو ألماني من نوع RCA، وبيانو فاخر من Wilhelm Spaethe، وساعة مهداة من شاه إيران .
القصر اليوم تابع لإدارة القصور الوطنية في البرلمان التركي (TBMM Milli Saraylar İdaresi Başkanlığı)، ومفتوح أمام الزوار كمتحف تاريخي يخلّد ذاكرة مؤسس الجمهورية التركية.
إن زيارة قصر أتاتورك في طرابزون وقصر أتاتورك في ترمال – يالوفا تمنح الزائرين تجربة فريدة من نوعها تجمع بين التاريخ، والفن، والطبيعة. فالقصران ليسا مجرد مبنيين أثريين، بل شاهدان حيّان على مرحلة مفصلية في تاريخ تركيا الحديث. من العمارة الأوروبية المبهرة إلى مقتنيات أتاتورك الشخصية وحدائق القصور الغنّاء، تعد هذه الزيارة رحلة إلى عمق الذاكرة التركية وإرثها الثقافي العظيم.